فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال شهاب الدِّين: ولابد من نَقْل نصِّه؛ قال: وقول الزمَخْشَرِي ويجُوزُ أن تكون «الواو» بمعنى «مع» ليس بِشَيْء؛ لأنَّه يصير التقدير: مع مثله معه، أي: مع مِثْل ما في الأرْضِ مع ما في الأرض إن جعلت الضَّمِير في «مَعَه» عائِدًا على «مَا» يكون معه حَالًا من «مِثْله».
وإذا كان مَا في الأرض مع مثله كان مثله معه ضرورة، فلا فائدة في ذكر «معه» لملازمة معيّة كل منهما للآخر.
وإن جعلت الضمير عائدًا على «مثله»، أي: مع مثله مع ذلك المثل، فيكون المعنى مع مِثْلَيْنِ، فالتَّعْبِير عن هذا المَعْنَى بتلك العِبَارة عَيِيٌّ؛ إذ الكلام المُنْتَظِم أن يكون التَّركيب إذا أُريد ذلك المعنى مع مِثْلَيْهِ.
وقول الزَّمَخْشَرِي: «فإن قُلْت» إلى آخِر الجواب هذا السؤال لا يرد؛ لأنَّا قد بَيَّنَّا فسادَ أن يكون «الوّاو» واو «مَعَ»، وعلى تقدِير وُرودِه فهذا بناء منه على أنَّ «أن» إذا جاءت بعد «لَوْ» كانت في مَحَلِّ رفع بالفاعليّة، فيكون التقدير على هذا لو ثَبَتَ كينونة ما في الأرْضِ مع مثله لهم لِيَفْتَدُوا به، فيكون الضَّمِير عائِدًا على «مَا» فقط.
وهذا الذي ذكره هو تَفْريعٌ منه على مذهَب المُبَرِّد في أنَّ «أن» بعد «لَوْ» في محل رفع على الفاعليَّة، وهو مذهب مرجُوحٌ، ومذهب سيبويه: أن «أنَّ» بعد «لَوْ» في محلِّ رفع مُبْتَدأ.
والذي يظهر من كلام الزَّمخْشَرِي هنا وفي تصانيفه أنَّهُ ما وَقَفَ على مذهب سيبويْه في هذه المسألة.
وعلى المفرع على مذهَب المُبَرِّد لا يجوز أن تكون «الوَاوُ» بمعنى «مَعْ» والعامِلَ فيها «ثَبَتَ» المقدَّرة لما تقدم من وجود لفظة «مَعَهُ»، وعلى تقديره سُقُوطها لا يصحُّ؛ لأن «ثَبَتَ» ليس رَافِعًا لـ «مَا» العائد عليها الضمير وإنما هو رَافِعٌ مصدرًا مُنْسَبكًا من «أن» وما بعدها، وهُو كونُ؛ إذ التقدير لو ثَبَتَ كون ما في الأرض جَمِيعًا لهم ومِثْله معه لِيَفْتدُوا به، والضمير عَائِد على [ما] دُون الكوْنِ، فالرَّافِع الفاعِل غير النَّاصب للمفعُول معه، إذ لو كان إيَّاه للزم من ذلك وجود الثُّبُوت مُصَاحبًا للمثل [والمعنى على كينونة ما في الأرض مُصاحبًا للمثل، لا على ثُبُوت ذلك مُصَاحِبًا للمثل،] وهذا فيه غُمُوض.
وبيانُهُ: أنَّك إذا قلت: «يُعْجِبُني قيام زَيْد وعَمْرًا»، جعلت «عمرًا» مفعُولًا معه، والعامِلُ فيه «يُعْجُبني» لزم من ذلك أن «عَمْرًا» لم يَقُمْ، وأعجبك القِيَامُ وعمرو.
وإن جَعَلْتَ العامل فيه القِيَام: كان عمرو قَائِمًا، وكان الإعْجَاب قد تعلَّق بالقيام مصاحبًا لقيام عَمْرو.
فإن قلت: هلاّ كان «ومِثْلَهُ مَعَهُ» مفعولًا معه، والعامِلُ فيه هو العَامِلُ في «لَهُمْ»؛ إذ المَعْنَى عليه؟.
قلت: لا يَصِحُّ ذلك لِمَا ذكرْنَاه من وجود «مَعَهُ» في الجُمْلَة، وعلى تقديرِ سُقُوطِهَا لا يصحُّ؛ لأنَّهُم نَصُّوا على أنَّ قولك: «هَذَا لَكَ وأبَاك» ممنوع في الاختيار.
قال سيبويْه: وأما «هَذَا لَكَ وأبَاك» فَقَبيحٌ؛ لأنَّه لم يذكر فِعْلًا ولا حَرْفًا فيه معنى فعل حتى يَصِير كأنَّه قد تكلَّم بالفعل، فأفْصَح سيبويه بأن اسْم الإشَارَة وحرف الجر المتضمن المعنى الاستقرار لا يعملان في المفعول معه وقد أجاز بعض النحويين في حرف الجر والظرف أن يعملا نحو «هذا لك وأباك».
فقوله: «وأبَاكَ» يكون مفعُولًا مَعَهُ، والعَامِلُ الاستِقْرَار في «لَكَ». انتهى.
ومع هذا الاعتراض الذي ذكره، فقد يَظْهر عنه جوابٌ، وهو أنَّا نقول: نختار أن يكون الضَّمِير في قوله: «مَعَهُ» عائدًا على «مِثْله» ويَصِيرُ المعنى: مع مِثْلَين، وهو أبْلَغُ من أن يكون مع مِثْل واحد.
وقوله: «تَرْكِيبٌ عَيِيٌّ» فَهْم قَاصِرُ، ولابد من جُمْلَةٍ محذُوفَة قَبْل قوله: {مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} تقديره: وَبذَلُوه، أو وافْتَدُوا به، ليصِحَّ التَّرْتيب المذكُور؛ إذ لا يترتَّب على اسْتِقْرَار ما فِي الأرْض جَمِيعًا ومثله معه لهم عدم التَّقبُّل، إنما يترتَّب عدم التَّقَبُّل على البَذلِ والافْتِدَاء والعامَّة على «تُقُبِّل» مبنيًا للمفعول حذف فاعله لعظمته وللعلم به.
وقرأ يزيد بن قطيب: «ما تقبَّل» مبنيًا للفاعل وهو ضميرُ البَارِي تبارك وتعالى.
قوله تعالى: {ولَهُمْ عَذابٌ} مبتدأ وخبرُهُ مُقَدَّمٌ عليه، و{ألِيمٌ} صفته بمعنى: مُؤلِمٌ، وهذه الجُمْلَة أجَازُوا فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون حالًا، وفيه ضَعْفٌ من حيث المعنى.
المعنى الثاني: أن تكون في مَحَلِّ رفع عَطْفًا على خَبَرِ «أن» أخبر عن الذين كفروا بخبرين لو استقرَّ لَهُمْ جَمِيعُ ما في الأرضِ مع مثله فَبَذلُوه، لم يُتَقَبَّلْ مِنْهُم وأنَّ لهم عَذَابًا أليمًا.
الثالث: أن تكون مَعْطُوفة على الجُمْلَة من قوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ}، وعلى هذا فلا مَحَلَّ لها؛ لِعَطْفها على ما لا مَحَلَّ له. اهـ.

.تفسير الآية رقم (37):

قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{ولهم} أي بعد ذلك {عذاب أليم} أي بالغ الإيجاع بما أوجعوا أولياء الله بسترهم لما أظهروا من شموس البيان، وانتهكوا من حرمات الملك الديان.
ثم علل شدة إيلامه بدوامه فقال: {يريدون أن يخرجوا} أي يكون لهم خروج في وقت ما إذا رفعهم اللهب إلى أن يكاد أن يلقيهم خارجًا {من النار} ثم نفى خروجهم على وجه التأكيد الشديد فقال: {وما هم} وأغرق في النفي بالجار واسم الفاعل فقال: {بخارجين منها} أي ما يثبت لهم خروج أصلًا، ولعله عبر في النفي بالاسمية إشارة إلى أنه يتجدد لهم الخروج من الحرور إلى الزمهرير، فإن سمى أحد ذلك خروجًا فهو غير مرادهم.
ولما كان المعذبون في دار ربما دام لهم المكث فيها وانقطع عنهم العذاب قال: {ولهم} أي خاصة دون عصاة المؤمنين {عذاب} أي تارة بالحر وتارة بالبرد وتارة بغيرهما، دائم الإقامة لا يبرح ولا يتغير {مقيم}. اهـ.

.قال الفخر:

إرادتهم الخروج تحتمل وجهين:
الأول: أنهم قصدوا ذلك وطلبوا المخرج منها كما قال تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا} [السجدة: 2].
قيل: إذا رفعهم لهب النار إلى فوق فهناك يتمنون الخروج.
وقيل: يكادون يخرجون من النار لقوة النار ودفعها للمعذبين، والثاني: أنهم تمنوا ذلك وأرادوه بقلوبهم، كقوله تعالى في موضع آخر: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [المؤمنون: 107] ويؤكد هذا الوجه قراءة من قرأ {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار} بضم الياء. اهـ.

.قال القرطبي:

قال يزيد الفقير: قيل لجابر بن عبد الله إنكم يا أصحاب محمد تقولون إن قومًا يخرجون من النار والله تعالى يقول: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} فقال جابر: إنكم تجعلون العامّ خاصًا والخاص عامّا، إنما هذا في الكفار خاصة؛ فقرأت الآية كلها من أوّلها إلى آخرها فإذا هي في الكفار خاصة.
و{مُّقِيمٌ} معناه دائم ثابت لا يزول ولا يحول؛ قال الشاعر:
فإنّ لكمْ بيومِ الشَّعْبِ منّي ** عذَابًا دائمًا لكم مُقيما

. اهـ.

.قال الألوسي:

{يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار}.
استئناف مسوق لبيان حالهم في أثناء مكابدة العذاب مبني على سؤال نشأ مما قبله، كأنه قيل: فكيف يكون حالهم، أو ماذا يصنعون؟ فقيل: {يُرِيدُونَ} الخ، وقد بين في تضاعيفه أن عذابهم عذاب النار، والإرادة قيل: على معناها الحقيقي المشهور، وذلك أنهم يرفعم لهب النار فيريدون الخروج وأنى به، وروي ذلك عن الحسن، وقال الجبائي: الإرادة بمعنى التمني أي يتمنون ذلك.
وقيل: المعنى يكادون يخرجون منها لقوتها وزيادة رفعها إياهم، وهذا كقوله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} [الكهف: 77] أي يكاد ويقارب، لا يقال: كيف يجوز أن يريدوا الخروج من النار مع علمهم بالخلود؟ لأنا نقول: الهول يومئذ ينسيهم ذلك، وعلى تقدير عدم النسيان يقال: العلم بعدم حصول الشيء لا يصرف عن إرادته كما أن العلم بالحصول كذلك، فإن الداعي إلى الإرادة حسن الشيء والحاجة إليه.
{وَمَا هُم بخارجين مِنْهَا} إما حال من فاعل {يُرِيدُونَ} أو اعتراض، وأيًا مّا كان فإيثار الجملة الاسمية على الفعلية مصدرة بما الحجازية الدالة بما في حيزها من الباء على تأكيد النفي لبيان كمال سوء حالهم باستمرار عدم خروجهم منها، فإن الجملة الاسمية الإيجابية كما مرت الإشارة إليه كما تفيد بمعونة المقام دوام الثبوت، تفيد السلبية أيضًا بمعونة دوام النفي لا نفي الدوام، وقرأ أبو واقد {أَن يَخْرُجُواْ} بالبناء لما لم يسم فاعله من الإخراج، ويشهد لقراءة الجمهور قوله تعالى: {بخارجين} دون بمخرجين، وهذه الآية كما ترى في حق الكفار، فلا تنافي القول بالشفاعة لعصاة المؤمنين في الخروج منها كما لا يخفى على من له أدنى إيمان.
وقد أخرج مسلم وابن المنذر وابن مردويه عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة»، قال يزيد الفقير: فقلت لجابر: يقول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار وَمَا هُم بخارجين مِنْهَا} قال: اتل أول الآية {إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا في الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ} [المائدة: 36] ألا إنهم الذين كفروا، وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: تزعم أن قومًا يخرجون من النار وقد قال الله تعالى: {وَمَا هُم بخارجين مِنْهَا} فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ويحك اقرأ ما فوقها هذه للكفار، ورواية أنه قال له: يا أعمى البصر أعمى القلب تزعم الخ حكاها الزمخشري وشنع إثرها على أهل السنة ورماهم بالكذب والافتراء، فحقق ما قيل: رمتني بدائها وانسلت، ولسنا مضطرين لتصحيح هذه الرواية ولا وقف الله تعالى صحة العقيدة على صحتها، فكم لنا من حديث صحيح شاهد على حقيقة ما نقول وبطلان ما يقول المعتزلة تبًا لهم.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} تصريح بما أشير إليه من عدم تناهي مدة العذاب بعد بيان شدته أي عذاب دائم ثابت لا يزول ولا ينتقل أبدًا. اهـ.

.قال الفخر:

احتج أصحابنا بهذا الآية على أنه تعالى يخرج من النار من قال «لا إله إلا الله» على سبيل الإخلاص.
قالوا: لأنه تعالى جعل هذا المعنى من تهديدات الكفار، وأنواع ما خوفهم به من الوعيد الشديد، ولولا أن هذا المعنى مختص بالكفار وإلا لم يكن لتخصيص الكفار به معنى والله أعلم.
ومما يؤيد هذا الذي قلناه قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} وهذا يفيد الحصر، فكان المعنى ولهم عذاب مقيم لا لغيرهم، كما أن قوله: {لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] أي لكم لا لغيركم، فكذا ههنا. اهـ.

.قال سيد قطب:

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون. إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم. ولهم عذاب أليم. يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم}.
إن هذا المنهج المتكامل يأخذ النفس البشرية من أقطارها جميعًا؛ ويخاطب الكينونة البشرية من مداخلها جميعًا؛ ويلمس أوتارها الحية كلها وهو يدفعها إلى الطاعة ويصدها عن المعصية.. إن الهدف الأول للمنهج هو تقويم النفس البشرية وكفها عن الانحراف. والعقوبة وسيلة من الوسائل الكثيرة. وليست العقوبة غاية، كما أنها ليست الوسيلة الوحيدة.
وهنا نرى أنه يبدأ هذا الشوط بنبأ ابني آدم- بكل ما فيه من موحيات- ثم يثني بالعقوبة التي تخلع القلوب. ثم يعقب بالدعوة إلى تقوى الله وخشيته والخوف من عقابه. ومع الدعوة التصوير الرعيب للعقاب..